ليمون على ساقية الفلج….إبراهيم الريامي

كنا أطفال في فصول دراسية مختلفة ولكن من يرانا يحسبنا أخوه. والواقع كنا جيرانا قد تراصت بيوتنا حتى كانت تبدو كبيت واحدوتآلفت القلوب حتى تحسب أن الجميع أهل وبينهم صلة رحم. دائما نتراكض من بيت إلى بيت وكأن الأبواب قد أشرعت للجميع. نتفقد خالد ويوسف وتارة محمد وننادي ونحن ندخل بدون استئذان (هود هود.. هود هود.. هنا صديقنا) فيجيب أحدهم في غالب الأحيان الأم .. هذاك هناك داخل يتريق. أي يتناول فطوره.. لتعاجلنا بسؤال إعتدنا عليه.. مو عاد غايتها الدواره… وإجابتنا بكل إختصار .. هيوا.. أي نعم.. غايتها
والقصد هنا هو أنه قد حان وقت الإنطلاق في دروب الحارة ومزارعها المختلفة والتي يميزها جدران الطين المتهدمة والتي تسمح لنا بالدخول إلى أي منها بسهولة لننعم بما تجود به من ثمار مختلفة من مانجو وتين وزيتون وزام وحتى الليمون العماني
كان مسجد الشيخ خلفان يتوسط الحارة ويحرس مزرعة كبيرة اسمها المشجوعية والبعض يسميها المقصورةوهي محاطة بسور من الطوب الطيني المتهدم في بعض الأماكن بما يسمح لنا من المرور إلى داخل المزرعة
لم يكتشف أمر تسللنا إلى تلك المزرعة فقد كنا نمر على المسجد لنتأكد من أن صاحب المزرعة الشيخ الكبير في السن يقرأ القرآن في مصحف على المرفع الخشبي وصوته ينثر عبق الخشوع في الأرجاء مع صوت بكاء قلب يجعلنا نقف في تساؤل. لماذا يبكي في كل مرة نمر عليه وهو يمتلك تلك المزرعة الكبيرة سؤال طفولي بريء. بعد التأكد من مكان الشيخ الكبير وانسجامه في تلاوة القرآن ننطلق لممارسة هوايتنا المفضلة وهي التجول في أرجاء تلك المزرعة لنأكل ما تصل إليه ايدينا.
كان ذلك اليوم قائظ شديد الحرارة حيث اقترح علينا خالد.. قائلا (خلا نقطف ليمون ونصنع عصير ليمون ونجلس نشربه ونحن جالسين في ساقية الفلج
لينطلق الجميع للبحث عن قنينة ماء فارغةيملؤها بالماء البارد من براد المسجد. فيما انطلقت انا لأحضر السكر من البيت لتكتمل عناصر الفكرة ونتمتع بعصير ليمون منعش في ذلك الجو الملتهب. مرت الدقائق ونحن في غمرة السعادة بإكمال صنع العصير وتحقيق الفكرة
وفي غمرة انتشاءنا بشرب العصير نسمع من بعيد صوت (مقشاع) الشيخ الكبير والمقشاع هو العصى الغليظ,يطرق به ساقية الفلج مع حمحمة تقترب أكثر وآكثر منا فلا مجال للهرب. الجدار خلفنا وأشجار الليمون يسارنا وساقية الفلج أمامنا والشيخ يحاصرنا عن يميننا
مو تسويوا هنا!! سؤال مباشر وبدون مقدمات.. وكأن عصير الليمون قد ارتجع من أفواهنا. يجيب محمد. ماشي باه.. بس نشرب عصير.ودليل الجريمة أمامنا فقد تركنا بقايا حبات الليمون على الساقية. ليسألنا الشيخ مرة أخرى.. نزين ومو هذا بو في الساقية. ليجيب يوسف.. حنوه عاصرين لومي ومسوين عصير وجالسين نشربه..كنا صادقين حتى في أحلك المواقف
والشيخ الكبير يحدق بنظره نحو أشجار الليمون وأوراقها قد انتثرت حولها كالعصف المأكول
ويشير إلينا بعصاه الغليظ ودقات قلوبنا تتسارع ننتظر العقوبة القاسية. فيأمرنا بتنظيف المكان وهو يقول لنا قطفوا ولكن لا تخربو يعني خذو حاجتكم ولا تقومو بتخريب كل الثمار التي على الأشجار. حينها عادت دقات قلوبنا لطبيعتها وأكملنا شرب ما تبقى من العصير مع ضحكات طفولية تطغى عليها السعادة